إن الذي يتأمل هذه الدراسات يرى بوضوح إمكانية خداع النظر، حتى إن الدماغ يمكن خداعه أيضاً، فقد يرى الإنسان أشياء لا وجود لها، أو يرى حركات لم تحدث، لأن الله تعالى صمم قشرة الدماغ بحيث إذا تم التركيز على منظر ما، فإن بقية أجزاء القشرة المسؤولة عن التركيز لا تعمل، وبالتالي يتخيل المرء الأشياء وكأنها حدثت، وهذا ما يُعرف بالسحر.
والعجيب أن القرآن الكريم أعطانا تعريفاً دقيقاً للسحر واعتبره أنه مجرد خداع للعين، وهذا ما يكشفه العلماء اليوم! يقول عز وجل في قصة السحرة مع سيدنا موسى عليه السلام: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) [الأعراف: 115-116]. فقد تحدث الله في هذا النص الكريم عن السحر وحدد مكانه في قوله: (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ)، ويؤكد العلماء أن السحر هو خداع للعين لا أكثر ولا أقل.
ولكن هناك نوع آخر من السحر يسيطر فيه الساحر على الإنسان ويتحكم في طريقة تفكيره، فيمارس معه "الإرهاب الفكري" وهذا ما عبَّر عنه القرآن بقوله تعالى: (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ)، وهو ما يحدث في حالات السحر الشديد مثل التفريق بين الزوجين: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [البقرة: 102]، أو المس الشيطاني، حيث يعاني الإنسان من الوسواس القهري نتيجة تسلط الشيطان عليه، ولا يوجد علاج لهذا الخلل، إلا تلاوة القرآن وتدبره والمحافظة على الطهارة والصلوات، فهذه الأشياء يكرهها الشيطان ويفرّ منها، ولذلك خاطب الله إبليس وقال له: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحجر: 42]..
رأينا في هذه الدراسة أيضاً أن الله تعالى وهب الإنسان القدرة على بث موجات كهرطيسية من دماغه وتوجيهها باتجاه الآخرين، وهذه القدرة يمكن تطويرها وتنميتها، لدرجة أن الإنسان يمكنه التحكم بجهاز الكمبيوتر من دون لمسه، فقط بتركيز النظر عليه! ولذلك يجب ألا نستبعد إمكانية ما يسمى "الحسد" وهو عبارة عن تركيز الحاسد على إنسان ما، وبث موجات كهرطيسية قوية باتجاهه يتمنى زوال النعمة عنه أو يتمنى ضرره أو مرضه، ودماغ المحسود يستجيب لهذه الموجات ويتفاعل معها ويتأثر بها، وتحدث عملية الحسد والضرر.
ولكن المؤمن الذي اعتاد على تلاوة القرآن وتدبره (وأهم شيء هو التدبر والفهم لما تقرأه)، فإن خلايا دماغه تصبح أكثر "مناعة" أمام هذه الموجات، وبالتالي لا يتأثر بها، ومن هنا ندرك معنى قوله تعالى: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة: 102]. فالمؤمن لديه سلاح قوي جداً هو القرآن، بينما نجد البعيد عن ذكر الله تعالى سوف يتأثر بسهولة بمثل هذا الحسد أو السحر.
وقد جرى السحر على بعض أنبياء الله مثل سيدنا موسى عليه السلام: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) [طه: 65-69]. فقد خُيّل لسيدنا موسى أن الحبال تسعى مثل الثعابين.
وقد يعجب البعض: كيف يمكن لنبي أن يجري عليه السحر مثل البشر؟ وهل النبي لديه نقص في إيمانه؟ ونقول يا أحبتي، هذه روعة الإسلام! حتى الأنبياء جرى عليهم السحر لأنهم بشر مثلنا، يقول تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110]. فالمؤمن قد يُبتلى بالسحر أو الحسد أو المرض... ولكن الله تعالى يلهمه الدعاء ليستجيب له، ويكون قد نجح في الامتحان!
ونتذكر قصة سيدنا أيوب عليه السلام عندما مسَّه الشيطان بنصب وعذاب، ولكنه لم يفقد الأمل من رحمة ربه، يقول تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) [ص: 41]. وقد استجاب الله دعاء عبده أيوب، يقول تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 83-84].
فالمرض والسحر والحسد ونقص المال وغير ذلك... كلها اختبارات للمؤمن ليرى الله تعالى مدى صدقه وقوة إيمانه، ولذلك فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس بلاءً، ليعلمنا الصبر ويعلمنا العلاج لهذا البلاء ألا وهو اللجوء إلى الله تعالى: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 188].
ونتيجة القول: إن السحر حقيقة واقعة يعترف بها العلماء اليوم، ويعترفون بوجود خداع للدماغ والعين، ويعترفون بأن الإنسان يمكن أن يرى أشياء غير حقيقية، ويتذكر أشياء لم تحدث أبداً، ودماغ الإنسان يصدر ترددات كهرطيسية يمكن بواسطتها التأثير على الآخرين، وهناك عشرات الدراسات العلمية التي تثبت هذه الحقائق وبما يتفق مع القرآن الكريم، أي أن القرآن لا يناقض العلم.