الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،
ومن باب الأمانة العلمية فلا بد من إيضاح مسألة هامة حول ما نراه ونسمعه اليوم على الساحة من عبث العابثين ، ودجل الدجالين ، وجهل الجاهلين ، والعبث بالعقيدة ، والاستهتار بالدين من أناس لا خلاق لهم ، وكل تلك الأخلاقيات والتصرفات لا تمت بصلة من قريب أو بعيد بالرقية الشرعية وأهدافها وغاياتها السامية النبيلة ، وأذكر كلاما جميلا ينقل هذا الواقع لعلامة بلاد الشام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - حيث يقول :
( ليس غرضي مما تقدم إلا إثبات ما أثبته الشرع من الأمور الغيبية ، والرد على من ينكرها ، ولكني من جانب آخر أنكر أشد الإنكار على الذين يستغلون هذه العقيدة ، ويتخذون استحضار الجن ومخاطبتهم مهنة لمعالجة المجانين والمصابين بالصرع ، ويتخذون في ذلك من الوسائل التي تزيد على مجرد تلاوة القرآن مما لم ينزل الله به سلطانا ، كالضرب الشديد الذي قد يترتب عليه أحيانا قتل المصاب كما وقع هنا في عمان ، وفي مصر ، مما صار حديث الجرائد والمجالس 0
لقد كان الذين يتولون القراءة على المصروعين أفرادا قليلين ، صالحين فيما مضى ، فصاروا اليوم بالمئات ، وفيهم بعض النسوة المتبرجات ، فخرج الأمر عن كونه وسيلة شرعية – لا يقوم به ( إلا ) الأطباء عادة – إلى أمور ووسائل أخرى لا يعرفها الشرع ولا الطب معا ، فهي- عندي - نوع من الدجل والوساوس ) ( السلسلة الصحيحة 2918 ) 0
يعقب الأستاذ سعيد عبد العظيم على كلام العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حيث يقول : ( وهو كلام عالم بالشرع الواقع ، يثبت به ما أثبته الشرع ، وينفي به ما نفاه الشرع ، ويصطلح معه كل فريق على حقه ، ولو أحسن الإنسان الظن بالمتفرغين لعلاج حالات الصرع ، لقال : إن الدافع لهم مع وجود النوايا الطيبة هي هذه الجلسات المطولة والحوارات الكثيرة التي تتم مع الجن !! والتي أدت إلى انشغالهم وانقطاعهم ، ولو أنهم استقاموا على شرع الله في علاجهم لما احتاجوا لمثل هذا التفرغ المزعوم ، ونحن في هذا المقام لا ننكر وجود الصالحين ممن خلصت نواياهم ويعالجون وفق الشرع والدين ، ولكنهم قلة وندرة وسط غثاء كثير ؛ فالواجب علينا أن نرد الحق لنصابه ، وأن لا نغفل دور الأطباء النفسانيين وغيرهم فطائفة منهم قديماً وحديثاً تثبت الصرع الجني وعندهم من العلم والتقوى ما يستطيعون به التمييز بين المس الشيطاني والمرض العضوي ؛ فلا داعي للتحرج من مراجعتهم والاستفادة مما عندهم – إن لم يخالف الشرع – وإلا فمن تطبب بغير طب فهو ضامن ، والسبيل الذي نراه لتحقيق المصلحة ودفع المضرة والمفسدة ، أن يتم التعاون مع الأطباء عموماً والنفسيين خصوصاً ، لا التنفير منهم أو تقمص شخصياتهم ) ( الرقية النافعة للأمراض الشائعة – ص 82 ) 0
وأدون هنا بعض المفاسد التي قد تترتب على القراءة الجماعية ، مع حرصي الشديد على التنبيه والتنويه إلى أنه بالإمكان مراقبة تلك المفاسد والتصرفات والسيطرة عليها ، من خلال تكاتف المعالجين والعلماء والمرضى ومراكز الدعوة والإرشاد ، مع الدعوة الصريحة لتقنين الأمر وضبطه وفق القواعد والأصول الشرعية التي لا بد أن يستند إليها ، فلا يخوض غمار هذا الأمر الخطير كل نطيحة وسائبة ومتردية وأكيلة سبع ، فتحافظ الرقية الشرعية على كينونتها ونقائها من الشوائب والرواسب 0
وإليك أيها القارئ الكريم بعض المفاسد المترتبة على الرقية الجماعية :
1)- التعلق بالمعالج والتبرك به :
تعلق الناس بتلك الأماكن وبشخصية المعالج ، فأصبحت النظرة لهؤلاء المعالجين تتسم بالتقدير والإجلال والإكبار وقد تعدت ذلك في بعض الأحيان إلى التبرك والعياذ بالله ، ويمكن معالجة ذلك الأمر الخطير بالتوعية الشرعية لكل من يطرق باب الرقية والعلاج ، ولا بد من إيضاح أن الرقية من الأسباب الشرعية المباحة للشفاء بإذن الله تعالى ، وأن المعالج لا يملك من الأمر شيئا ، ولن يتأتى ذلك إلا بتعاون الجميع للوصول إلى هذا الهدف وتلك الغاية 0
2)- اهمال الحقوق الزوجية :
بعض المريضات أهملن وبشكل ملفت للنظر الحقوق الزوجية والحقوق المتعلقة بالبيت والأولاد وأصبح ارتياد هذه الأماكن شغلهم الشاغل بل قد تنقلوا من بلد إلى بلد ومن قطر إلى قطر ، وقد أثر ذلك الأمر بشكل كبير على الأسرة الواحدة ، وهذا بطبيعته أدى للضياع والتشتت وتفتيت هذه الأسر ، فأهملت حقوق الزوجية وتربية الأبناء وهم فلذات الأكباد ، وكان الأجدى والأولى أن يرقي الإنسان نفسه وأهل بيته وهذا هو الفعل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رقيته لنفسه وآل بيته وفعل عائشة - رضي الله عنها - كذلك ، وإن اضطر إلى الذهاب لمن يوثق في علمه ودينه فلا تثريب عليه ، وكل ذلك يحتاج لتقنين وضبط وفق قواعد وأسس شرعية محددة 0
3)- الوسوسة والوهم :
زرع الوسوسة والوهم في نفوس كثير من مرتادي تلك العيادات ، فأصبح الكل يعتقد أن به مس من الجن أو انتابه ضرب من ضروب السحر والكهانة ونحوه ، أو أصابته العين والحسد ، بل قد وصل الأمر في بعض أماكن الرقية الشرعية الجماعية الى ما يفوق الوصف والتصور خاصة بالنسبة لتصرفات بعض النساء ممن لا خلاق لهن فأصبح ارتياد هذه الأماكن بالنسبة اليهن مكانا للتمثيل والتهريج وقلة الأدب ، بل وصل الأمر في البعض لتصرفات وكلمات تخدش الحياء ، بل تعدى ذلك أحيانا للتفوه بكلمات كفرية ، وما أظن تلك الحالات إلا أنها تعاني من مشاكل أو أمراض نفسية أو اجتماعية أو أسرية وأرادت أن تفرغ تلك الطاقات المكبوتة في تلك الأماكن المفترض أن تكون أماكن علاج بالقرآن واستماع له وتفاعل مع آياته قولا وعملا ليكون شفاء لأمراض القلوب والأبدان ، ولا بد أن نعتقد جازمين بأن قدرة الجن والشياطين للوصول الى هذا الحد نادرة ، ومن هنا تبرز أهمية شخصية المعالج في التعامل مع المرضى ، وايقاف كل من تسول له نفسه العبث في تلك الأماكن وتشويه سمعتها ، وللأسف فإن بعض المعالجين قد أوصلوا بعض المرضى لمثل ذلك الأمر ، وأُذَكِّرُ كل من تظاهرت واحترفت مهنة التمثيل في تلك الأماكن بأن الله سبحانه وتعالى مضطلع لا تخفى عليه خافية ، وقد تبتلى تلك المسكينة بأحد الأمراض التي تصيب النفس البشرية من صرع وسحر وحسد ونحوه ، وحينئذ تبكي بالدماء والدموع وعندها لا ينفع الندم والبكاء 0
ولن يستطيع المعالج القضاء على تلك الظاهرة الخطيرة إلا بزرع الإيمان واليقين في نفوس المرضى وترسيخ الثقة المطلقة بالله سبحانه ، وتوجيه المرضى على اختلاف أمراضهم للتقرب إلى الله بالطاعات والبعد عن المعاصي ، والتوجه إليه بالذكر والدعاء وطلب الشفاء 0
4)- تساهل بعض المعالجين في تعامله مع النساء :
تساهل بعض المعالجين في تعامله مع النساء ، وعدم الحرص في كثير من المسائل الشرعية المتعلقة بهن ، كاللباس الشرعي ، والخضوع في القول ، والتركيز على بعضهن دون البعض الآخر ، والسؤال عن بعض الحالات دون غيرها ، ونحو ذلك من أمور أخرى ، وقد تكلمت سابقا بإسهاب وتفصيل عن بعض تلك التجاوزات في كتابي بعنوان ( القواعد المثلى لعلاج الصرع والسحر والعين بالرقى ) ولا يمكن في هذه الحالة ضبط ذلك الأمر إلا بتوفر شروط أساسية أذكر منها :
أ)- توفر العلم الشرعي الذي يؤهل المعالج الوقوف على كافة تلك التجاوزات ، وإدراكه لمدى خطورتها من الناحية الشرعية 0
ب)- المراقبة والمتابعة المستمرة للمعالج وطريقته في الرقية والعلاج ، ولا يمكن تحقيق ذلك الهدف إلا بتكاتف الجهود بين المعالج والعلماء ومراكز الدعوة والإرشاد 0
ج)- التقوى ومخافة الله سبحانه وتعالى ، وإدراك أن المرأة من أشد وأعتى أسلحة الشيطان التي يشهرها في وجوه الرجال لإيقاعهم في حبائله والنيل منهم ، وقد أشارت لذلك المفهوم بعض النصوص القرآنية والحديثية0
5)- المعصية وإضاعة الوقت :
أصبحت بعض العيادات مقرا ومركزا للقاءات والأحاديث الهامشية الجانبية ، فكثرت الغيبة والنميمة والاستهزاء والقذف والتشهير في الآخرين ، ونسي أو تناسى كثير ممن أقحم نفسه في هذه الأمور ، أن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل 0
ومن هنا كان الواجب الشرعي يحتم على المعالج أن يظهر لمرتادي تلك العيادات نعمة الصحة والعافية ، وأن تكون الغاية والهدف لمن يأتي لمثل تلك الأماكن الاستماع لكلام الله سبحانه وتعالى بتأمل وتدبر وخشوع والاستشفاء به ، والدعوة لإخوانه وأخواته بإزالة الغمة وتفريج الكربة 0
6)- التجارة والمزايدة :
أصبحت بعض العيادات مراكز للتجارة والمزايدة والتكسب ، وقد تكلمت بتفصيل وإسهاب عن هذه النقطة في الفصل الخاص بالعلاج تحت عنوان " القواعد والأسس الرئيسة في الرقية الشرعية " ولكني أعيد وأذكر بإخلاص النية وأن تكون الغاية والهدف من الرقية الشرعية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى باعتبار أنها أمر توقيفي تعبدي ، والأمور التوقيفية مبناها على التعبد كما أشار إلى ذلك المفهوم بعض أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ولا بد للمعالج من اليقين التام بأن تفريج كربة مسلم عند الله سبحانه وتعالى خير من الدنيا وما فيها 0
7)- إفشاء أسرار المرضى من بعض مرتادي هذه العيادات :
وقد أدى ذلك لمفاسد اجتماعية عظيمة لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى ، فالواجب يحتم على المعالج التنبيه والتحذير من ذلك الأسلوب ، وخطورته على الفرد والأسرة والمجتمع المسلم ، حيث يولد نشر مثل تلك الأسرار الخاصة بالمرضى بين عامة المسلمين وخاصتهم لأحقاد وضغائن ومفاسد اجتماعية أخرى لا يعلم مداها وضررها إلا الله 0
Cool- انتشار الأمراض النفسية :
أصبحت بعض تلك المقرات مدعاة لإحداث ونشوء أمراض نفسية لدى بعض المرضى نتيجة التخبط الحاصل في الوسائل والأساليب المنهجية التي يتبعها المعالج ، وكثير من الناس اليوم فقد الثقة ببعض المعالجين نتيجة الجهل والتخبط والضياع وقد أثر ذلك على الرقية الشرعية وأهلها ومن هنا نسمع بين الفينة والأخرى القذف والتشهير من أناس لا خلاق لهم ، اتخذوا هؤلاء الجهلة مطية لتمرير مثل تلك الأقوال 0
يقول الأستاذ علي بن محمد ياسين : ( وأما الرقية الجماعية فإن فيها من السلبيات ما يؤثر على إيجابياتها إن كان لها إيجابيات ، فمن تلك السلبيات :
1- اختلاط الحابل بالنابل ، الصحيح مع السقيم ، وما يحدث فيها من تأثيرات نفسية ، من خوف وإيحاءات وغيرها 0
2- خطورة تعرض السليم من الأمراض الروحية – المس والسحر - ، الذي يشعر بمعاناة نفسية 0
3- فضح المريض وهتك أسراره ، وكشف عورته أمام الناس 0
4- يلاحظ أن هذه الطريقة - القراءة الجماعية - قليلة النفع إذا قورنت بالقراءة الفردية ) ( مهلاً أيها الرقاة – باختصار - ص 48 ، 49 ) 0
قلت : الرقية الجماعية لها إيجابياتها ولها سلبياتها ، ولا يمكن أن ننكر بأي حال الإيجابيات العظيمة للرقية لو قنن الأمر من قبل ولاة الأمر والعلماء وفق الضوابط الشرعية والطبية فإن الرقية الجماعية سوف تأتي بنفع عظيم بإذن الله تعالى ، وقد ذكرت بعض المصالح المترتبة على هذا النوع من الرقى في مناقشة سابقة للدكتور الفاضل علي بن نفيع العلياني 0
سائلاً المولى عز وجل أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه ، إنه سميع مجيب الدعاء 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،